قـــــــــــــــــوة فتـــاة (قصة قصيرة)
عقارب الساعة وهي تضرب على وتر الزمن وتلتهم الوقت في سرعة مخيفة , بدت لـ((لارا)) كنمر شرس يلتهم فريسته في جوع شديد, فراحت تفرك أصابعها في توتر ملحوظ وهي تحدث نفسها بصوت خفيض:( لم يبقى سوى القليل ثم يطرقون علي الباب , ولابد أن أقرر وسط إصرارهم وضغطهم علي , كلا!! فلقد اتخذت قراري منذ زمن , والآن ما هو إلا وقت التنفيذ, وسأقف أمامهم في تحد وإصرار ليمتنعوا عما يفعلونه لي ويحسبون أني سعيدة , لا وألف لا , فإنني تعيسة إن سرت خلف أهوائهم وما يريدونه مني أن أكون , لن أسير في ركبهم ركب الحياة الدنيا بكل مباهجها وملاهيها وشهواتها , وأنا لست بألعوبة, فكم من السنين التي مرت وأنا أحس فيها بأنني بلهاء دون شخصية متزنة, فقط منقادة لأهوائهم وفرحهم بي لأنني البنت الوحيدة وسط كوم من الأولاد الذكور..) ثم تعالت طرقات متتالية على باب حجرتها تعالت على إثرها ضربات قلب ((لارا)) فراحت تفكر فيما ستفعله وتقوله, ثم انبعث صوت أمها وهي تقول:( لارا ! هل تأهبت وتزينت؟ فالجميع بالأسفل ينتظرونك) ثم غيرت نبرة صوتها وهي تقول في انفعال سعيد :( لن تصدقي إن أخبرتك كم من الهدايا تنتظرك, هيا كي تفتحيها أمامهم ثم تقطعي *التورتة*لهم
وتقدميها , فما الذي تفعلينه عندك حتى الآن؟!) أرادت ((لارا)) تجاهل نداء أمها إلا أنها أحست بوخز الضمير فهي لابد أن تجيبها لأن ذلك من كمال البر بها على الرغم مما يضايقها ويحزنها منهم جميعا , فأجابت بصوت بدا وكأنه يخرج من بئر سحيق :( ليس بعد يا أمي أمهليني
ربع ساعة أخرى أنزل بعدها بصحبتك) فابتسمت الأم في رضا وقالت:( نعم يا حبيبتي الصغيرة , هكذا أريدك مثلما نعرفك , واتركي عنك الذي تتشدقين به منذ أن أفسدت الصحبة عقلك, هيا لا تنسي العدسات اللاصقة والعطر الجديد) ثم غادرت المكان و((لارا)) تسمع صوت قرع كعب حذاءها وكأنه يغني في كل خطوة تخطوها والدتها على درجات السلم , ثم اجتاحت ((لارا)) نوبة من الغضب الممزوج بالحزن المرير , فتمنت أن تبكي وتلقي بما يجثو على صدرها الى معلمتها ((ابتهال )) والتي كانت سببا في هدايتها بعد الله , لكنها تمالكت نفسها وأمسكت برباط جأشها واستعادت هدوؤها وهي تتابع:( كلماتك يا أستاذتي الفاضلة في كل أسبوع نجتمع فيه على الخير نتدارس , لا زالت ترن في أذني برنين لذيذ, فلقد تعلمت منك ومن الصحبة الصالحة الشيء الكثير الذي خفي علي السنين الطوال , لقد تعلمت كم الإنسان هو غالي وثمين إذا جاهد نفسه وسط الفتن المحيطة به وسار على خطا الرسول وركب السلف الصالح واقتفى أثرهم , وكم هو رخيص وحقير إن اتبع هوى نفسه وهوى غيره) ثم فتحت خزانة بجانبها وراحت تتأمل مافيها , وقد اكتظت بالكتب والمطويات والأشرطة النافعة , فابتسمت في حب عميق , بعدها صوبت نظراتها نحو النافذة التي أظهرت الأنوار المبهرة التي تزين حديقة القصر والسيارات الفارهة , وجمع الأقارب والأهل و قد اختلطت نساؤهم برجالهم وأخذوا يتصافحون ويتضاحكون في عري فاضح دون تقدير لأي مبدأ إسلامي أو قيم أخلاقية بل سادهم الاطمئنان وكأنهم قد أمنوا مكر الله وبشروا بالجنة , فقالت في حزن :( وكأنهم ما عرفوا موقفي الذي صرحت به اليهم ومعارضتي لما سيفعلونه, أما كانت عباءتي وحب عزلتي وحشمتي وتركي لما يفعلونه من لهو دليلا على صدق ما أقول لكنهم لا زالوا يستهزئون مما أقول وخاصة إخوتي ويصرون علي بالرجوع وترك التخلف الذي صرت عليه كما يسمونه,أوا صار إتباع سنة الرسول وتطبيق شرعه تخلفا ؟! أنا لا ولن أطيعهم أبدا في معصية خالقي أبدا ما حييت بإذن الله ) ثم ابتسمت في استهزاء وتابعت حديثها لنفسها في تساؤل :( منذ متى كانت الأمور الشخصية للمرء وما يحبه لنفسه ويريد تفرض عليه فرضا وكأنه عبد, إن كل ما يريدون هو أن يظهروا بمظهر المتحضرين الراقين فاحتجوا بأنه لا يصح أن نتخلى عن عاداتنا في عمل الحفلات ((أي برستيج كما يدعون)) يا الاهي حتى لو كان هذا البرستيج مملوء بالآثام والمعاصي وهو في الأصل محرم لأنه اتباع للنصارى في حفلاتهم وأعيادهم, آه لقد صدق الرسول إذ قال :( حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه) فالحفلة هذه بماسبتين الأولى لتخرجي من الثانوية وفي هذه الفرحة لا يجد الإسلام فيها إثم إن لم تخلط بالمعاصي وإنما الإثم العظيم في المناسبة الثانية المدموجة وهي عيد ميلادي ) ثم دمعت عيناها في حزن مؤلم ورفعت كفيها إلى السماء وهي تبتهل :( اللهم اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي, اللهم إن كنت على الحق فثبتني وامنحني الشجاعة والقوة حتى أغير ما بأهلي ,اللهم وأهدهم سبل الخير والصلاح) ثم دفنت وجهها في راحة كفيها وبكت بكاء مريرا لعدة دقائق ثم رفعتهما وجففت دموعها المنسكبة في سرعة على اثر معاودة الطرق على الباب ..
فقامت وارتدت عباءتها وغطت وجهها وارتدت الجوارب والقفازين ثم فتحت الباب , فبادراها والداها بالدهشة العظيمة، عندها كشفت عن وجهها وقالت وابتسامة ضئيلة تجلت على شفتيها:( مالي أراكما متعجبان؟! على الرغم من أن مظهري لا يثير التعجب والدهشة وهو الحق بإذن الله) فسارعت أمها تقول في غضب شديد وقد كان أبوها يحبها حبا جما ويأبى الصراخ عليها حتى في أحلك المواقف والظروف:( ماذا تفعلين عندك أيتها المعتوهة؟!) ومدت يدها في عصبية لتنزع العباءة عنها لكن هذه الأخيرة ابتعدت في خفة إلى الوراء وقالت:( إن كنتما تريدان أن تسوقاني إلى الإثم ومعصية خالقي والمتفضل علي بوافر النعم, فاني أقول لكما لا وألف لا فاني طاهرة ولن أبرح مكاني في هذه الحجرة) فجن جنون والديها وقال لها والدها:( ماذا تقصدين يا بنت ؟! وما الذي تريدينه بالضبط؟!) فقالت:( سأخبركما إن دخلتما وجلستما لأحدثكما عما يدور بخلدي منذ زمن) فقالت أمها معارضة:( أنت مجنونة وهل سنستمع لأوامرك؟!) فقالت ((لارا)): ( إذن لن أرضخ لمطلبكما وسأقفل الباب على نفسي حتى ينصرف الناس) فأمسك والدها بيد والدتها وجرها نحو الحجرة وأجلسها معه وقال :( هيا ,هات ما عندك) فجلست ((لارا)) في هدوء مصطنع لكن قلبها من شدة خفقانه يكاد يقفز من مكانه ليراه الجميع وقالت:( أنتما تعلمان ويعلم إخوتي أنني تبت إلى الله وعرفت أني مخطئة،فلا حاجة لما تفعلانه من أجلي كما تقولون،فإني لن أعصيه أبداً حتى يتوفاني بإذن الله، فإن أردتم سعادتي فاتركاني فليس من تفكيركما ورجاحة عقليكما تضلاني بعد إذ هداني الله وتعيداني مرة أخرى إلى مستنقع المعصية،أليس كذلك؟ ولقد أخبرتكما من قبل أن ما تفعلانه هو محرم لأنه إتباع للنصارى الكفرة، لكنكما أصررتما ليس لأجلي بل لأجل الحفاظ على عادات أهل القصور والبرستيج الذي يحيطون أنفسهم به..)فقال والدها في عصبية:(إنك تطلبين المستحيل يا(لارا))فأجابت:(أبي ليس هنالك مستحيلا مع الإيمان بالله ومجاهدة النفس ضد شهوات الدنيا والنفس،فأنتما أعقدا العزم ثم توكلا على الله فهو الذي يتكفل بجميع الأمور<فإذا عزمت فتوكل على الله><إن الله يحب المتوكلين>)فأرادت والدتها الاعتراض لكن والدها سبقها وقال:(كلمات تقولينها بسهولة وقد نرضى بها لكن التنفيذ شيء آخر وهو صعب لا محالة،فمالذي تريدين منا فعله إزاء ما حصل والجميع ينظرونك بالأسفل كما جرت العادة؟)فقالت (لارا):(أوا الجميع ينتظرني ويود رؤيتي حتى الرجال؟)فقالت والدتها في غضب:(إنها تريد إهدار ماء وجهنا وإزهاق كرامتنا أمام الناس)فقالت (لارا):(كلا ياأمي العزيزة،إنني أقدر موقفكما ولن أترككما بمفردكما والله معنا بإذن الله، ثم إنها أمور دنيوية إن تركتماها لأجل الله عوضكما الله خيراً منها لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:<من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه>أوا أنتما قادران على إحتمال عقابه يوم سؤاله يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ؟أم تحتملا قليلا من المصاعب الدنيوية الزائلة إبتغاء مرضاته؟)
فأطرق والدها مفكرا وأشاحت والدتها بوجهها وقد أحست للمرة الأولى بوخز الضمير وأن ابنتها على حق فيما تقوله وقد جاءت بالأدلة،لكن الكبر يمنعها من الإعتراف بذلك..
فشعرت (لارا)بما يدور في خلديهما من مشاعر متضاربة،فأمسكت بكفيهما وقالت:(عندي لكما إقتراحان تختاران أيهما،فإما تفصلا النساء عن الرجال وتلقيا بجميع أجهزة الموسيقى وتنتهيا عنها وتمتنعا عن التكلف الزائد وتجعلا الحفلة بمناسبة تخرجي فقط لا غير،وأنا أتكفل بتوضيح الباقي وأني تبت إلى الله،أو تقولا للناس بأني لا أريد النزول للسبب ذاته فتنتهي الحفلة وينصرف الجميع)فقال والدها:(كلاهما صعب يا(لارا))،فأشاحت بوجهها وقالت:(هذا هو قراري والأمر يتعلق بي فاصنعا ما شئتما)..فمضت عدة دقائق بدت للجميع كأنها الدهر وقد أطرق والدها مفكرا في صمت، أما والدتها فبقيت ترمي أبنتها بنظرات كلها غضب وعتاب وهي تتمنى لو تجبرها على ما تريده لكنها لا تملك القوة الكافية خصوصا وأن زوجها بدا وكأنه قد رضي في إحدى الاقتراحين..
وأخيرا: وقف والد(لارا) وأمسك بكف زوجته وجرها معه إلى الخارج ونظر إلى أبنته قائلا:(أظنك لن ترفضي إن طلبت منك ارتداء فستانا جميلا لتنزلي إلى النساء) فابتسمت (لارا) وقلبها يخفق في سعادة لا توصف وهي تهز رأسها قائلة:(كلا)..فقالت والدتها وهي تحاول الإفلات من يدي زوجها:(تتمردين علينا بعد أن ربيناك وتعبنا لأجلك ونفذنا طلباتك! ) فقال لها زوجها في صرامة لن نكون حجرا عاثرا أمام قرارها فلقد تابت وعسى أن يثبتها الله، ولن نكون شيطانان إنسيان نضلها بعد أن هداها الله، هيا ولنعمل على فصل النساء وتسوية الترتيبات اللازمة،عسى الله أن يهدينا )
ثم أقفل الباب خلفه..عندها سقطت (لارا) على الأرض وقد غطت الدموع معالم وجهها وهي تحمد الله وتشكره في انفعال شديد. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(قد تتعجبين من خيال القصة لكن واقع غالبية مجتمع جدة –من المترفين-للأسف يقع تحت وطأة هذا التحرر المشين الذي لا يرضاه الله........)
تمت..
بواسطة صديقتي ام غدي هي اللي كتبتها
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
